الحمد لله ذي الفضل والإحسان، أنزل كتابه فحفظه من الزيادة والنقصان، ويسّر حفظه حتى استظهره صغار الولدان، وأصلي وأسلم على نبينا محمد سيد كل إنسان، أما بعد:
فإن القرآن العظيم هو كلام الله - سبحانه وتعالى -، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}1.
ولما كان للقرآن العظيم كل هذه الفضائل وغيرها مما لم نذكره فإن لأهله أيضاً فضل عظيم لأنهم يحفظون ويتلون, ويقرؤون كلام علام الغيوب، فهم أهل الله وخاصته كما سيأتي في كلام سيد ولد عدنان - صلى الله عليه وسلم -، وكيف لا وقد ورد في فضل القرآن وتلاوته فضائل عدة سنذكر بعضاً منها ونسأل الله التوفيق والسداد:
أهل الله وخاصته:
فقد جاء في حديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله - تعالى - أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: هم أهل القران، أهل الله وخاصته))2.
شفيعاً لأصحابه:
فعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة))3.
رقي صاحب القرآن في درجات الجنة:
فصاحب القرآن يرتقى في درجات الجنة بقدر ما معه من الآيات لحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ و ارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها))4، والقرآن يقدم صاحبه عند الدفن لحديث جابر - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد))5.
نزول الملائكة والسكينة والرحمة للقرآن وأهله:
فقد جاء في حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))6. (يتلون كتاب الله ويتدارسونه) أي يتعاهدونه خوف النسيان.
مضاعفة ثواب قراءة الحرف الواحد من القرآن أضعافاً كثيرة:
لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (آلم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))7.
إكرام حامل القرآن من إجلال الله - تعالى -:
فعن أبى موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط))8، ومعنى قوله: (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه، (غير الغالي فيه) والغلو هو التشديد ومجاوزة الحد، (والجافي عنه) أي وغير المتباعد عنه، المعرض عن تلاوته، وإحكام قراءته، ومعرفة معانيه والعمل بما فيه.
صاحب القرآن يلبس حلة الكرامة وتاج الكرامة:
فعن أبى هريرة - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيقال: اقرأ وارق، ويزاد بكل آية حسنة))9.
القرآن يرفع صاحبه:
لحديث عمر - رضي الله عنه - قال: أما إن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))10، ومعنى قوله: (يرفع بهذا الكتاب) أي بقراءته والعمل به (ويضع به): أي بالإعراض عنه، وترك العمل بمقتضاه.
خيركم من تعلم القرآن وعلمه:
ففي حديث عثمان - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))11.
وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن:
قال طلحة بن مصرف: سألت عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما -: ((هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله))12، قال الحافظ: قوله (كيف كتب على الناس الوصية) أو كيف (أمروا بالوصية) أي كيف يؤمر المسلمون بشيء ولا يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -13.
دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن يتلو القرآن بالرحمة:
فقد ثبت في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل قبراً ليلاً، فأسرج له سراج، فأخذه من قبل القبلة، وقال: رحمك الله إن كنت لأواهاً، تلاء للقرآن، وكبر عليه أربعاً))14، ومعلوم أن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - مستجاب.
فضيلة حافظ القرآن:
في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح، وطعمها مر))15.
فضل الماهر بالقرآن وأجر الذي يتتعتع فيه:
ونص على ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران))16، والسفرة هم هنا الذين ينقلون من اللوح المحفوظ.
استماع الله - تعالى - لمن يتغنى بالقرآن:
لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أذِن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن))17، ومعنى قوله (أذِن) أي استمع، ومعنى قوله (يتغنى بالقرآن) أي تحسين الصوت به.
غبطة صاحب القرآن:
فعن ابن عمر - رضى الله عنهما - قال: قال رسول - الله صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))18، والحسد المذكور في الحديث هنا هو الغبطة وليس الحسد المذموم.
حفظ القرآن خير من متاع الدنيا:
لحديث عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصفة فقال: (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله، ولا قطع - قطيعة - رحم؟) قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: فلئن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرا له من ناقتين، وإن ثلاث فثلاث، مثل أعدادهن من الإبل))19.
فضائل متنوعة للقرآن:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله - وفي رواية: يا ويلي - أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار))20.
الله - تعالى - يباهى بالمجتمعين على القرآن الملائكة:
لحديث معاوية - رضي الله عنه -: ((أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما يجلسكم؟ فقالوا: جلسنا نذكر الله - تعالى -، نحمده على ما هدانا الإسلام، ومنَّ علينا به، فقال: أتاني جبريل - صلى الله عليه وسلم - فأخبرني أن الله - تعالى - يباهي بكم الملائكة))21.
فأي فضلٍ أكبر وأحسن وأعظم أن يباهي الله - تعالى - بعباده ملائكته، نسأل الله - تعالى - بمنه وكرمه أن يجعلنا من أهل القرآن وخاصته, وأن يجعله شفيعاً لنا يوم لقاه، وأن يرزقنا العمل به إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير مبعوث رحمة للعالمين.
1 سورة فصلت (42).
2 سنن ابن ماجه (1/78) برقم (215)؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (1/42) برقم (178)؛ وفي صحيح الترغيب والترهيب ( 2/80 ) برقم (1432)؛ ومسند أحمد بن حنبل ( 3/ 127) برقم (12301) وبرقم (12314)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
3 صحيح مسلم (1/553) برقم (804).
4 سنن أبي داود (1/ 463) برقم (1464)؛ سنن الترمذي (5/177)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ مسند أحمد بن حنبل (2/192) برقم (6799)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/275) برقم (1300)؛ السلسلة الصحيحة (7/30) برقم (2829).
5 صحيح البخاري (1/450) برقم (1278)، وأطرافه برقم (1280، 1283،1288،1286،3851)؛ وإرواء الغليل (3/200) برقم (750).
6 صحيح مسلم (4/2074) برقم(2699)؛ وسنن أبي داود (1/460) برقم (1455)؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (1/1045) برقم (10446).
7 صحيح مسلم (4/2074) برقم (2699)؛ ومسند أحمد بن حنبل (2/252) برقم (7421).
8 سنن أبي داود (2/677) برقم (4843)؛ وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/23) برقم (98)؛ والجامع الصغير وزيادته (1/397) برقم (3962)؛ وصحيح الجامع برقم (2199).
9 المستدرك (1/ 738) برقم (2029)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/79) برقم (1425).
10 صحيح مسلم (1/559) برقم (817)؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2239).
11 صحيح البخاري (4/1919) برقم (4739)؛ وسنن أبي داود (1/460) برقم (1452)؛ وسنن الترمذي (5/173)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1173)؛ وصحيح أبي داود (1/272) برقم (1289).
12 صحيح البخاري (3/1006) برقم (2589).
13 فتح الباري ابن حجر (5/360).
14 سنن الترمذي (3/372) برقم (1057)، وقال:حديث حسن؛ وقال الزيلعي: مداره على الحجاج بن أرطاة وهو مدلس، ولم يذكر سماعاً، قال ابن القطان: ومنهال بن خليفة ضعفه ابن معين، وقال البخاري - رحمه الله -: فيه نظر. انظر: نصب الراية (2/216)؛ وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (1/118) برقم (178)؛ وهو في الكامل في الضعفاء (6/330) برقم (1810).
15 صحيح البخاري (4/1928) برقم (4772)، و(5/2070) برقم (5111)؛ وصحيح مسلم (1/549) برقم (797)؛ وسنن النسائي (8/124) برقم (5038).
16 صحيح البخاري (4/1882) برقم (4653)؛ ومسند أحمد بن حنبل (6/110) برقم (24832).
17 صحيح البخاري (6/2743) برقم (7105)؛ وصحيح مسلم (1/545) برقم (792).
18 صحيح البخاري (1/39) برقم (73)، و(4/1919) برقم (4738)؛ وصحيح مسلم (1/55) برقم (815-816).
19 سنن أبي داود (1/460) برقم (1456)؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/273) برقم (1292)؛ والمعجم الأوسط (3/291) برقم (3186).
20 صحيح مسلم (1/87) برقم (81)؛ وصحيح ابن خزيمة (1/276), وصحيح ابن حبان (6/465) برقم (2759), وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح؛ قال الشيخ الألباني "صحيح" وهو في صحيح الجامع برقم (727).
21 صحيح مسلم (4/2075) برقم (2701)؛ وسنن الترمذي (5/460) برقم (3379)؛ وأحمد في المسند برقم (16881)؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/98) برقم (1503)؛ وفي صحيح الترمذي (3/139) برقم (2690).